الشخصية المصرية الحديثة هي محصلة للأثر الفرعوني والمسيحي والعربي والإسلامي. أضف إلى ذلك أبعادها المتداخلة الآتية: آسيوي (أمدنا بالحضارة والثقافة والدين)، أفريقي (أمدنا بالحياة—الماء والسكان)، نيلي (أساس الوجود المصري)، ومتوسطي (نافذة العلاقات الخارجية).
وهناك سمات أسفرت عنها العديد من الدراسات حول المصري الحديث منها على سبيل المثال الميل للشكوى والفكاهة وصرامة المجتمع والميل للخمول والتمسك بالجذور والأصول. فالمصري أخذ من الآخرين ما أراد ولكنه لم يعطهم ما أرادوا وهو شخصيته. فهو لا يسمح لنفسه أن يكون أحدا غير المصري. يقول رفيق حبيب: "كان هذا درس التاريخ، فالمصري لا يحقق تطورا مستوردا، ليس لأنه من الغرب أو الشرق، لكن لأنه ليس مصريا. وعندما يقلد الآخرين، يفقد ذاته وإحساسه بها، ويشعر بالاغتراب، تضيع الأصالة والجذور، ويفقد عمق التجربة...تطور القديم، ونمو الخبرة هو مفتاح تقدم المصري. فمن خلال الاستمرارية يستطيع أن يغير ويتغير، دون أن يفقد ذاته، ويتغرب" (ص. 494).
كما يمكن تحليل الشخصية المصرية من خلال العناصر التالية:
الوجدان: الوجدان هو المشاعر والانفعالات والحس الجمالي والتذوق الفني. المصري ينفعل ولكنه يميل للتعبير عن تلك الانفعالات. في الماضي كانت شخصية تميل للجوع الحسي. وفي الحاضر تميل للوسط بين الشبع والجوع، مع استمرار الميل للطمأنينة والفكاهة. ويضيف حبيب: "عندما توجد المشاعر، وتوجد قواعد تفرض سلوكا يخالفها، تكبت المشاعر، مادام الإنسان يلتزم بالقواعد. تكثر القواعد، يزداد الكبت، يجب أن تبتسم، وأن تصافح الآخرين، وللرجل لا تبك، وللمرأة يعاب الضحك الصاخب، تلك وغيرها تكون القواعد، والحل هو كبت المشاعر مراعاة لقواعد المجتمع" (ص. 496). ومع تفاقم مشكلات المجتمع يكون التدين والغيبية والتواكل، وهي مفاتيح الطمأنينة للمصري لا القلق، مما يعطيه مظهر الصمود ويحميه من تدمير النفس. والمزج بين الفكاهة والاكتئاب ينتج عنه السخرية، أداة تعبير المصري عن النفس وإخراج ما بداخله. لذا يجب على المصري أن "يدخل في البركان، في المشكلات، يشعر بها بقدر، فيقلق بقدر، بالقدر الكافي؛ لكي يفكر ويتفاعل، فالقلق يدفع للفكر والعمل، طالما كان قلقا في حدود. أما الفكاهة، فهو وجه مشرق لشخصية المصري، ولكنها تحتاج للسعادة، فتصبح مرحا، وتحتاج أن تكون تعبيرا عن الأفكار، لا أن تكون كل ما يفعله الإنسان في مواجهة واقعه، فتصبح الفكرة المرحة، التي تنشر السعادة دون السخرية، ودون أن تكون هروب من المشكلات" (ص. 497). أما عن الحس الجمالي، فالمصري الحالي يميل للفطرة في مقابل العصر الفرعوني والروماني والإسلامي عندما كان يميل للتحضر، فكلما أدرك الفرد مدى التقدم الذي تتمتع به حضارته، زاد قبوله وتحمسه لها، وهو ما ينتج عنه الاهتمام والتحضر، وهذا لن يأتي إلا مع حب الوطن والأرض والبيت، والشعور بالرضى والشعور بقيمة النفس والمجتمع، فمن يحب الشيء يحافظ عليه.
العقل: العقل هو التفكير والإدراك والتذكر والإبداع. واحدة من سمات المصري هي ظاهرة الشعار أو المقولة. يميل المصري لحسم الأمور وتحديدها في مقولة أو حكمة أو مثل، ومن ذلك يظهر الفكر الثابت المائل للجمود. ويميل المصري أيضا للشكل دون المضمون. كما يميل لبساطة الفكرة والفكر، وهو ما يجب استثماره لتماشيه مع العلم وروح العصر ولكن مع تقبل التعقيدات إذا دعت الضرورة. والمصري لا يتحمل أن يكون مخطئا ولكنه في نفس الوقت يحقق ذلك بإخفاء أخطائه، حيث يرى المصري المشكلات بوضوح ولكن يرى نفسه خاليا من النقائص وغير مسؤول عما يحدث. ويفضل المصري الفعل عن التفكير.
المجتمع: المجتمع المصري يميل للجماعية والتعاون والمشاركة والمساعدة وهو ما يساعد في تماسك المجتمع ومصالحه القومية. ونجد أيضا أن التمييز من الأمور السائدة في المجتمع المصري. فمن يملك قدرا من التعليم والنسب والمال والسلطة والنفوذ وغيرها يحظى بمعاملة متميزة عن غيره. كما يميل المصري للاجتماعية وكثرة المعارف والصداقات. فهو عموما مجتمع مترابط، ولكن مع بعض الميل للاغتراب والتمييز. كما يميل المصري للتدين الوسطي المعتدل.
الفعل: هناك ميل للرفض للواقع وعدم قبول أوضاع الجميع، وهو أمر جيد، ولكن رفض هذا الواقع دون محاولة تغييره هو أمر آخر. يقول حبيب في ذلك: "الواقع غير مرض. نعم، ولكن الكل لا يقوم بدوره كما ينبغي، لهذا فالمطلوب من كل فرد أن يبدأ من حبه واعتزازه بوطنه، ثم تقييم الواقع ليحدد المشكلات والعيوب، ثم يقوم بدوره كاملا" (ص. 512). والمصري بهذا لا يظهر كرها للمجتمع، ولكن هي وسيلة للهروب من واقع صعب ومسؤولية كبيرة. وهذا ما يؤدي إلى نزعة السلبية الكائنة بشكل كبير. كما يظهر ميل للفهلوة مما يؤثر على قيم العمل بالسلب.
ويختم رفيق حبيب تحليله بقوله: "هذه وتلك بعض من سماته، إنه المصري، الذي تحدد بكونه متميزا، وتميز بكون تاريخه الطويل...ربما تكون الوقفة هي مفتاح الحل، وقفة مع النفس يرى فيها سماته وتكوينه؛ ليعرف من هو؟ ولماذا؟ يحدد مناطق الضعف ومناطق القوة؛ ليغير الأولى، ويستثمر الثانية...وعليه أن يفكر دون أن تتوقف يده عن العمل. ومن هنا، أو هناك، سيجد طريق التقدم والتطور" (ص. 515).
وفي النهاية، يلخص جمال حمدان العبقرية المصرية في قوله:
"كثيرا ما يتردد أن مصر هي ارض المتناقضات...فهي بطريقة ما تكاد تنتمى إلى كل مكان دون أن تكون هناك تماما.
• فهي بالجغرافيا تقع في افريقيا و لكنها تمت ايضا الى آسيا بالتاريخ.
• و هي متوسطة دون مدارية بعروضها و لكنها موسمية بمياهها و اصولها.
• و هي في الصحراء و ليست منها، هي واحة ضد-صحراوية، ليست بواحة و إنما شبه واحة.
• فرعونية هي بالجد و لكنها عربية الأب.
• ثم انها بجسمها النهري قوة بر, و لكنها بسواحلها قوة بحر, وهى بذلك تضع قدما في الارض و قدما في الماء.
• و هي بجسمها النحيل تبدو مخلوقا اقل من قوى, و لكنها برسالتها التاريخية الطموح تحمل رأسا اكثر من ضخم.
• و هي بموقعها على خط التقسيم التاريخي بين الشرق و الغرب تقع في الأول و لكنها تواجه الثاني و تكاد تراه عبر المتوسط، كما تمد يدا نحو الشمال و اخر نحو الجنوب، و هي توشك بهذا كله ان تكون مركزا مشتركا لثلاث دوائر مختلفة بحيث صارت مجمعا لعوالم شتى.
• فهي قلب العالم العربي و واسطة العالم الإسلامي و حجر الزاوية في العالم الأفريقي.
و إذا كان لهذا كله مغزى, فهو ليس أنها تجمع بين الاضداد و المتناقضات, و انما أنها تجمع بين اطراف متعددة غنية و جوانب كثيرة خصبة و ثرية, بين ابعاد و افاق واسعة, بصورة تؤكد فيها "ملكة الحد الاوسط" و تجعلها "سيدة الحلول الوسطى" و تجعلها امة وسطا بكل معنى الكلمة و لكن ليس امة نصفا !
و لعل في هذه الموهبة الطبيعية سر بقائها و حيويتها على العصور ورغمها. و نحن لهذا لا نملك الا ان نقول اننا كلما امعنا تحليل شخصية مصر و تعمقناها استحال علينا هذا الانتهاء: و هي انها "فلتة جغرافية" لا تتكرر في أي ركن من أركان العالم" (ص. 12–14).
المراجع:
1. جمال حمدان، 1967، شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان.
2. رفيق حبيب، 1997، الشخصية المصرية والتطور النفسي في 50 قرنا.
No comments :
Post a Comment